الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه logo اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
173962 مشاهدة print word pdf
line-top
التذكير بنعم الله على عباده

...............................................................................


وكذلك في سورة النحل يذكر الله تعالى عباده بنعمه فيقول تعالى: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ ؛ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ثم قال: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ إلى قوله: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ هذا خلق الله وحده فهل الذي خلق هذه الأشياء يقاس بغيره من الآلهة التي تعبد وتعظم أو الأشخاص الذين يصرف لهم شيء من حق الله تعالى؟ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ .
وكذلك أيضا كثيرا ما يأمر الله بالتفكر فيما بين أيدينا وفيما خلفنا مثل قول الله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني: أنهم لو ساروا في الأرض وتأملوا وتفكروا لعرفوا عاقبة الأمم السابقة، وكيف كانت نهايتهم.
وكذلك قول الله تعالى: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ يذكِّر الله عباده بمثل هذه الآيات التي خلقها، والتي انفرد بخلقها وإيجادها.
وهكذا أيضا بعض الآيات التي سمعنا وفي هذه الآثار، ومنها قول الله تعالى: وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ أي أن الأرض التي أنتم عليها مستقرون عليها فيها آيات لو تفكرتم فيها لعرفتم عظمة الذي أوجدها وخلقها، فإن الآيات التي فيها تدل على أنها مخلوقه، وأن الذي خلقها وجعلها مختلفة لا شك أنه قادر على كل شيء، فتجدون مثلا بقعة من الأرض مستوية ليس فيها مرتفع ولا منخفض، ثم تسير قليلا فتجد كثبا رملية. تتعجب كيف وجدت مع أن بجوارها أرض مستوية، ثم تسير قليلا فتجد أودية قد حفرتها السيول فتمر معها مرارا ثم تسير قليلا فتجد أرضا صخرية حجرية مملوءة بالحجارة منبثة عليها، ثم تسير قليلا فتجد أرضا جبلية فيها جبال متوسطة أو جبال شاهقة وتتعجب كيف كانت هذه الجبال في هذا الموضع وبجوارها تلك الأرض الأخرى التي هي خالية من صحراء ليس فيها جبال أو نحو ذلك من الأدلة.
كذلك أيضا النباتات التي ينبتها الله على هذه الأرض فإنها عجائب من خلق الله تعالى، فتجد هذه الأرض تنبت نباتا والأرض الأخرى تنبت نباتا آخر لا تنبته هذه الأرض، وكذلك الأرض الثالثة والرابعة. تختلف البقاع وتجد أن بعض البقاع ليس فيها نبات أصلا، ففي هذه الآثار الأمر بالتفكر في آيات الله وفي مخلوقاته وترك التفكر في ذاته. يعني: لا تتفكروا في كيفية ذاته ولا في كيفية صفاته، وذلك لأنه لا تدركه العقول يقول الله تعالى: وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ويخبر بأن ذاته ليست كسائر الذوات في قوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وإخبار العلماء بأنها لا تبلغه الأوهام والظنون، فأُمرنا بأن يكون تفكرنا في آيات الله التي بين أيدينا والتي خلفنا؛ أن يكون تفكرنا فيها وتأملنا فيها لنستدل بها على عظمة من أوجدها. أي: أنها ما وجدت إلا لحكمة عظيمة ما خلقها الله تعالى عبثا.
يقول الله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ما خلقهما الله تعالى إلا للحق ويقول في آية أخرى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ فإذًا على الإنسان أن يفكر في هذه الآيات ويتأمل في عظمتها، وفيما فيها من هذه الأدلة حتى يكتسب بذلك علما يقينا بأن الذي خلقها هو رب العالمين، وهو خالق الخلق وهو على كل شيء قدير، ثم يشتغل بعد ذلك بتعظيمه وبعبادته وحده وينصرف عن تعظيم أية مخلوق؛ فلا يصرف شيئا من التعظيم لأية مخلوق.
وبذلك يصير حقا من الذين انتفعوا في حياتهم بما بين أيديهم وبما خلفهم، وأما الذي لا يتفكر في هذا الكون ولا فيما في ذلك بل يكون همه شهوته وما تميل إليه نفسه، فإن مثل هذا لا ينتفع بالنظر ولا بالتفكير.
وأما الذين جعلوا تفكيرهم فيما تدل عليه أو ما تمليه عليه نفوسهم من أن هذه الأمور وهذه المخلوقات أوجدت نفسها، أو أوجدتها الطبائع. أنها طبيعة أثرت في هذا الكون بالطبع. إن مثل هؤلاء أيضا قد انتكست فطرهم، ولذلك يرون أن الطبائع هي التي تؤثر في هذه الأشياء .
يـرى الطبيعـة فـي الأشيا مؤثرة
أين الطبيعة يا مخذول إذ وجــدوا؟
من الذي طبع هذه الطبيعة ومن الذي أوجدها، ومن الذي خلقها. لا شك أن الله تعالى أجرى العادة في أمور عادية جعل لها أي سببًا ولها تأثيرا، ولكن الله تعالى هو المسبب؛ هو خالق السبب وخالق الأسباب كلها. فإذا أيقن العبد بذلك صار من الذين أيقنوا بأن الله خالق كل شيء وأن ما سواه مخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.

خروج الإنسان بعيدا عن صخب المدينة بنية التفكر. هل يصبح هذا العمل عبادة ؟
لا شك أن التفكر لا يحتاج إلى خروج، وإن كان في الآيات في بعضها خروج أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا من أراد أن يتفكر تفكر وهو جالس حتى ولو كان أعمى. يتفكر فيما يسمعه، وفيما يعرفه وفيما يلمسه؛ يجد ما يتفكر فيه حتى ولو في نفسه؛ أفلم يتفكروا في أنفسهم؟ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ من تفكر في نفسه عرف ما فيها من الآيات ؛ لكن إذا خرج، وقصد بذلك أن ينظر في الأرض وما فيها من الاختلاف، وكذلك ما فيها من الحيوانات وما بث الله تعالى فيها من الدواب. فكلما وقع نظره على شيء تأمل فيه وتفكر لعله بذلك يثاب ويكون هذا عبادة.

line-bottom